فصل: مسألة المسلم يبيع الصبي الصغير من النصراني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المسلم يبيع الصبي الصغير من النصراني:

وسئل: عن المسلم يبيع الصبي الصغير من النصراني، فقال: أحب إلي ألا يبيعه إلا من مسلم، فإن باعه من نصراني، جاز بيعه.
قال محمد بن رشد: يريد الصبي الصغير الذي لا يجبر على الإسلام، وأما الذي يجبر على الإسلام، أو يختلف في جبره عليه، فلا يجوز على قول من يرى أنه يجبره عليه إن باع من النصراني؛ وإن بيع منه، جرى ذلك على الاختلاف في النصراني يشتري العبد المسلم، هل يفسخ البيع، أو يباع عليه؛ وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، ومن كتاب الجنائز، وفي غيره من المواضع، تحصيل القول فيمن يجبر على الإسلام من الصغار، ومن لا يجبر منهم، فلا معنى لإعادته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.

.كتاب جامع البيوع الرابع:

.باع من امرأته خادما واشترط عليها أن تتصدق بها على ولده:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وآله وسلم من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل باع من امرأته خادما واشترط عليها أن تتصدق بها على ولده، فلما وقع البيع بدا لها أن تتصدق بها، قال: لا تلزمها الصدقة، والرجل بالخيار، فإن شاء أجاز البيع على ذلك، وإن شاء نقضه ورد إليها مالها، قال أصبغ: وكذلك العتق إن اشترى على أن يعتق مثل هذا التفسير، وهو قول مالك في العتق، والصدقة أحرى وأضعف.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أصبغ إن البيع على الصدقة كالبيع على العتق، إذ لا غرر في ذلك بخلاف البيع على الوصية أو على الوصية بالعتق أو على الكتابة أو التدبير أو العتق إلى أجل، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم القول على البيع بشرط العتق، ويأتي أيضا في رسم المدبر والعتق من هذا السماع، ومضى في رسم المكاتب من سماع يحيى القول على البيع بشرط الوصية وما أشبه ذلك، فلا معنى لإعادته.

.مسألة حكم أقداح القوارير المنصوبة في المجالس للبيع:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن أقداح القوارير المنصوبة في المجالس للبيع مثل التي عند باب المسجد مفروشة في أفنية الحوانيت للبيع وأقداح الخشب يقف بها الرجل يشتري منها فيتناول منها شيئا فينظر إليه ويقلبه فيسقط من يديه فينكسر، فقال: لا ضمان عليه، وهذا من شأن الناس النظر إليها عند الاشتراء والتقليب، وذكره عن مالك في القوارير. قال أصبغ: وسواء استأذن في الأخذ أو لم يستأذن إذا رآه صاحبها وتركه يأخذ وينظر، فإن كان بغير أمره، ولا علمه فهو ضامن، قال أصبغ: وكذلك الذي يدار به من القوارير أيضا للبيع، وكذلك البواقل في المجالس للبيع، قال أصبغ: فسألت ابن القاسم فقلت له: فقلال الخل يرفعها يروزها ليعرف نحوها وملأها فتنكسر؟ فقال:
ما أدري ما هذا؟ ولم أسمع فيه شيئا، قال أصبغ: وهو عندي مثل الأول مثل القوارير والأقداح ما لم يعنف ويخرق ويأخذ بغير مأخذه مثل أن يعلق القلة الكبيرة بأذنها أو غير ذلك من وجوه العنف عن وجه الحمل المعروف فيضمن. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم احتجاجا عليّ في الخل: أرأيت الدينار ينقره الصيرفي فيذهب ألا يضمن؟ قلت: فهذا مثله؟ قال: نعم، وهو يضعف ذلك، وقال أصبغ: ليس هو مثله ولا من بابه، وقال لي قبل ذلك في الدينار يعطيه الرجل الصراف على دراهم فينقده فيذهب إنه ضامن، قال أصبغ: هذا صواب قد صار منه حين قبضه بصرف، فهو بيع واشتراء مقبوض، قال أصبغ: وكذلك لو اغتصبه الصراف أو اختلس منه قبل أن يزنه كان منه، قال أصبغ: وسواء في هذا عندي نقره نقرا يتلف من مثله أو خفيفا لا يعطب في مثله إلا بالقضاء والقدر، إلا أن يأذن له في نقره فينقره نقرا خفيفا لا يعطب مثله فيصاب في ذلك فلا شيء عليه، وإن خرق ضمن.
قال محمد بن رشد: إنما رأى ابن القاسم في الخل أنه ضامن إذا رفع القلة فسقطت من يده فانكسرت من أجل أنه لا حاجة به في تقليب الخل إلى رفع القلة حسبما حكى ابن المواز عنه من رواية أبي زيد، وقد ذكرنا ذلك في نوازل سحنون، وكذلك رأى أنه لا يحتاج في انتقاد الدنانير إلى نقرها فقال في الصراف: إنه إذا قبض الدينار ليقلبه ثم يصارفه فيه إن أعجبه فنقره فتلف إنه ضامن إن لم تكن به حاجة في تقليبه إلى نقره، فاحتج على أصبغ بذلك في ضمان الخل، وأما إذا قبض الدينار على وجه الصرف فلا اختلاف في أنه ضامن له على كل حال كما قال أصبغ وإن غصبه الصراف أو اختلس منه قبل أن يزنه. وقد اعترض ابن دحون قوله قبل أن يزنه فقال: قوله قبل أن يزنه قول مشكل، كيف يضمنه قبل أن يزنه وقد أخذه ليزنه؟ قال: وإنما تؤول المسألة الأولى التي في نوازل سحنون إنه مثقال يجوز بعينه لا بوزن، فقبضه له ضمان؛ لأنه لم يدفعه إلا على مواجبة الصرف، وهذه ذكر فيها الوزن، وذلك يدل على عدم المواجبة إلا بعد الوزن، فمحال أن يضمن ما أخذ ليزن قبل الوزن، وهو اعتراض غير صحيح، وقول أصبغ قبل أن يزنه كلام صحيح ليس فيه لبس ولا إشكال؛ لأن معنى ما تكلم عليه إنه دينار يجوز بعينه، فبالقبض يدخل في ضمانه؛ لأنه محمول على أنه وازن حتى يعلم أنه ناقص لا يجوز بجواز الوازن فيكون ذلك عيبا فيه يجب له رده به، فإنما يزنه ليختبر هل به عيب أم لا؟ فمتى تلف قبل الوزن ضمنه المشتري، وهذا بيّن لا إشكال فيه، وقوله في قلال الخل يرفعها يروزها؛ ليعرف نحوها وملأها فمعناه ليعرف مقدار ما فيها من الخل ملأ لا ليعرف هل ملأى أم لا؟ فتحصيل هذه المسألة أن كل ما أخذه ليقلبه بغير إذن صاحبه ولا علمه فهو ضامن له عنف أو لم يعنف، وكل ما أخذه بإذن صاحبه أو هو يراه على أحد قولي ابن القاسم وقول أصبغ فلا يضمن إلا أن يعنف، وكل ما قبض على جهة البيع فضمانه منه على كل حال إلا أن يهلك بأمر أذن له فيه دافعه لم يتعده إلى غيره.

.مسألة قلال الخل هل يجوز شراؤها بحالها مطينة ولا يدري ما فيها:

قال أصبغ: قلت لابن القاسم في قلال الخل أيجوز شراؤها بحالها مطينة ولا يدري ما فيها ولا ما ملؤها؟ فقال لي: إن كان قد مضى عليه عمل الناس أفأحرمه؟ كأنه لا يرى بذلك بأسا. قال أصبغ: لا بأس به، قد جرى عليه وعرف حزره بقدر ظروفه، وهو يدور على أمر واحد في الملء والحد متقارب فلا بأس وإن لم يذقه ويعرف جودته من رديئه؛ لأن الاشتراء إنما يقع على الخل فهو الطيب فإن وجد خلافه برداوة مغيبة عنهما رده كما لا يدرى لعله خمر أو بعضه، وفتحه كله للبيع فساد، فلا بأس باشترائه كذلك أو اشترائه على عين أوله يفتح الواحد منه ويذوقه ويشتري عليه وهذا أصوبه.
قال محمد بن رشد: إنما جاز شراؤها دون أن تفتح وتذاق للعلة التي ذكرها من أن فتحها للبيع فساد، فجاز شراؤها دون أن تفتح على الصفة من أجل أنه خل طيب أو وسط، كما جاز شراء الثوب الرفيع الذي يفسده الفتح والنشر على الصفة دون أن يفتحه وينشره ويقلبه، وكما جاز بيع الأحمال على صفة البرنامج لما في حل الأحمال للسوام من الضرر بأصحاب المتاع. وقوله: ولا يدري ما فيها ولا ما ملؤها معناه ولا يدري مقدار ما فيها من الخل ملأ لا أنه لا يدري، هل هي ملأى أو ناقصة؛ لأنه إذا كانت القلة ناقصة غير ملأى فلا اختلاف في أنه لا يجوز أن يشتريها مطينة على ما هي عليه من نقصانها؛ لأن ذلك من الغرر، إذ لا يجوز بيع الجزاف إلا بعد الإحاطة برؤيته.

.مسألة باع دابة على أن يركبها بعد ثلاث فقبضها المشتري فنفقت عنده قبل الثلاث:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن باع دابة على أن يركبها بعد ثلاث إلى الإسكندرية فقبضها المشتري فنفقت عنده قبل الثلاث إنها من المشتري، وإنه إذا أخذها البائع فركبها بعد الثلاث فماتت تحته فهي منه. قال أصبغ: البيع فاسد لطول الركوب وبعده وكثرته، فإذا ردها المشتري على البائع للركوب فهي كمن لم يقبض، والضمان في البيع الفاسد إذا لم يقبض من البائع، فالمصيبة في هذا منه لهذا. ولو كان البيع صحيحا لقرب الركوب وخفته وما يجوز كان الضمان على كل حال من المشتري ماتت في يده قبل الركوب أو في الركوب في يد البائع.
قال محمد بن رشد: الفساد في هذه المسألة من وجهين: أحدهما مسافة الركوب، والثاني بعد وقت الركوب؛ لأن السنة في استثناء الركوب إنما جاءت في اتصاله بالبيع لا بعد أجل اليوم واليومين، ولذلك قال في سماع أبي زيد إنه إذا باع الدابة واستثنى ركوبها يوما بعد ثلاثة أيام إن البيع فاسد إلا أنه جعل المصيبة فيها من البائع ما بقي له فيها ركوب وإن تلفت في يد المشتري خلاف قوله ههنا، قولان جاريان على الاختلاف في المستثنى هل هو مبقى على ملك البائع أو بمنزلة المشترى، فرواية أبي زيد على القول بأنه مبقى على ملك البائع، وهذه الرواية على القول بأنه بمنزلة المشترى.

.مسألة الأرض يبيعها الرجل من الرجل على أن يردها عليه متى ما جاءه بالثمن:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الأرض يبيعها الرجل من الرجل على أن يردها عليه متى ما جاءه بالثمن، ما الذي يفوتها؟ فقال: قال مالك: الغرس والبنيان مما يفوتها، قال مالك: والهدم وبيع المشتري إياها مما يفوتها حتى لا يكون له إليها سبيل ويردان فيها إلى القيمة قيمتها يوم قبضها وينفذ اشتراء المشتري الثاني إياها فيما بينه وبين بائعه حلالا لا يردان فيه إلى القيمة ولا غير ذلك إذا كانت عقدتهما في ذلك صحيحة، وإنما القيمة ما بين المشتري الأول والبائع. قال ابن القاسم: طول الزمان في ذلك عندي ليس بفوت، واختلاف الأسواق ليس بفوت، ويرد متى ما علم بذلك، وقاله أصبغ، إلا أن يطول الزمان بالدهور مثل العشرين سنة وما فوق ذلك فإن هذا لابد أن يدخله الغير ببعض الأوجه والبلى وغيره فأراه فوتا وإن كانت قائمة، والله أعلم، وهذا رأيي.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذا البيع، إنه بيع فاسد هو مثل قوله في أول سماع أشهب خلاف قول ابن الماجشون وقول سحنون في المدونة من أنه ليس ببيع فاسد، وإنما هو سلف جر منفعة حسبما مضى القول فيه في سماع أشهب المذكور. وقد اختلف قول ابن القاسم في طول الزمان بالدهور هل هو فوت في الأرضين والدور، والقولان له في كتاب الشفعة من المدونة، نص في موضع منها أن طول الزمان فيها فوت، وقال في موضع آخر: إن السنتين والثلاث ليس فيها بفوت، فدل ذلك من قوله أن الزمان الطويل فيها فوت، فعلى هذا يكون قول أصبغ في هذه الرواية مفسرا لقول ابن القاسم ومبينا له كما ذهب إليه أصبغ، وله في موضع آخر منه أن تغير البنيان من غير هدم ليس بفوت، قال ذلك على أن طول الزمان بالدهور التي يتغير فيها البنيان ليس بفوت، فعلى هذا يكون قول أصبغ خلافا لقول ابن القاسم. وأما حوالة الأسواق فلم يختلف قوله في أنه ليس بفوت في الأرضين والدور، وأشهب يراه فوتا فيها، ووجه قول ابن القاسم أن الرباع والعقار لا يراد بها الأرباح وإنما تشترى للقنية فلا يفيتها حوالة الأسواق، ووجه قول أشهب أنه وإن كان الأغلب فيها أنها إنما تشترى للقنية فقد تشترى للربح وطلب الفضل، فوجب أن يراعى ذلك في البيع الفاسد وشبهه.

.مسألة يبيع الدور ويستثني سكناها سنة فانهدمت الدار قبل أن تمضي السنة:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يبيع الدور ويستثني سكناها سنة فانهدمت الدار قبل أن تمضي السنة إنها من المبتاع، ولا يرجع البائع بشيء مما بقي له من السكنى.
قال محمد بن رشد: قوله إن مصيبة الدار إذا انهدمت قبل تمام السنة من المشتري ولا رجوع للبائع عليه بشيء فيما بقي له من الأمد الذي استثنى هو مثل ما تقدم من قوله في نوازل سحنون، وقد مضى القول على ذلك هناك فلا معنى لإعادته، وستأتي المسألة أيضا متكررة بعد هذا.

.مسألة الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع بمصر:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع بمصر عند القاضي أو عند رجل وضعه له القاضي عنده من مورث أو غير ذلك، هل يجوز لرجل أن يشتريه منه بالأندلس بعرض ويخرج إليه؟ فقال لي: سئل مالك عن رجل له ذهب بالمدينة عند قاضيها أراد أن يشتري بها زيتا بالشام أو طعاما لا يدري ما حدث على الذهب، قال مالك: لا خير في هذا، فقيل له: كيف العمل في هذا والصواب؟ قال: يتواضعان الزيت والطعام على يدي رجل ثم يخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع بينهما. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: فإن تواضعا العرض في مسألتك على يدي غيرهما لم يكن به بأس ويخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع بينهما، وإن لم يجدها فأخلف له غيرها وأعطاه عوضا منها لزم ذلك بائع العرض على ما أحب أو كره، وإن كان بائع الدنانير الغائبة يقبض العرض لا يتواضعانه فلا يحل ذلك إلا أن يكون ضامنا للدنانير إن لم توجد أعطاه مكانها أخرى، فإن كان كذلك فلا بأس به، وإن كان بائع الدنانير الغائبة لا يقبض العروض ولا يمكنه منها صاحبها ولا يتواضعانها ولا يخرجها من يديه لم يكن بذلك بأس، ويخرج إلى الدنانير فإن وجدها لم يقبصها حتى يقبض مشتري العروض العرض؛ لأنه يصير كمن اشترى سلعة غائبة بدنانير، فلا يصلح النقد فيها حتى يقبض السلعة أو يحضر.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت متكررة في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، ومضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم منه ما فيه بيانها فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة باع دابة بثمن مسمى واشترط ركوبها:

قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عمن باع دابة بثمن مسمى واشترط ركوبها إلى الموضع القريب الذي يجوز له اشتراطه فركب فنفقت قبل أن يبلغه، قال: ضمانها من المشتري، قلت: فهل يرجع البائع على المشتري بثمن الركوب الذي اشترطه؟ قال: لا لأنه لم يضع لذلك الركوب شيئا من ثمنها إنما هو شيء اشترطه يجوز لأنه خفيف، وإنما هو بمنزلة ما لو قال: أبيعك هذه الدابة على أن لا تأخذها إلى غد وإلى بعد غد، قلت: فهذا البيع الذي ذكرت لا بأس به أيضا؟ قال: نعم، قلت: وضمانه ممن؟ قال: من المشتري، انظر أبدا كل من اشترط مثل هذا ويجوز له اشتراطه ويكون البيع به جائزا فالضمان من المشتري، قال أصبغ مثله كله إلا الرجوع بثمن الركوب فإني أرى ذلك له إذا كان شيء لا قدر له ولم يكن مثل الساعة والميل والأميال والبريد ونحو ذلك، ومثل اليوم في الدار واليومين والأيام الثلاثة وشبه ذلك، فهذا الذي يلغى وأراه لغوا ولا أرى له رجوعا ولا شيئا، فإذا كان له بال مثل ما ذكرت اليوم واليومين وشبهه رأيته ثمنا، والضمان من المشتري، وإنما ذلك بمنزلة بيع نصف السلعة على أن يبيع النصف الباقي إلى شهر فيبيع إلى أقل من ذلك فلا يبطل بقية شرطه، قال أصبغ: فسألته إن باع دابة واشترط ركوب دابة أخرى غيرها إلى المكان البعيد أيجوز؟ قال: نعم إلى إفريقية إن شاء، قلت: فنفقت في بعض الطريق؟ قال: يرجع عليه لأن الركوب هاهنا ثمن ما باع به دابته، قلت: فكيف يرجع؟ قال: يقوم الكراء كراء الموضع الذي اشترط ركوبه فيعرف كم هو، قال أصبغ: فإذا علم مبلغه ضم إلى الثمن ثم قسم عليه قيمة الدابة، فما صار لقيمة الكراء من قيمة الدابة قسم على ما ركب وعلى ما لم يركب، فيرجع بما لم يركب من ذلك بما أصابه عينا ولا يرجع في الدابة بعينها، وكذلك السكنى مثل ذلك سواء.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في نوازل سحنون مستوفى، والحمد لله.

.مسألة العبد يشترى ويستثنى نصف ماله:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في العبد يشترى ويستثنى نصف ماله: لا خير فيه إلا أن يكون ماله معلوما عرضا أو حيوانا أو رقيقا ولا يكون ذهبا ولا ورقا إذا كان اشتراه بذهب أو ورق، فإن كان اشتراه بعرض أو حيوان فلا بأس أن يستثني نصف ماله وإن كان ماله ذهبا أو ورقا، ورواها سحنون عن ابن القاسم إلا أنها في سماع أصبغ أفسر. قال أصبغ: وذلك إذا وقع المشتري على معرفة الذهب والورق كم هي وأنها له معروفة أو العرض بتسميته وصفته وعينه ومخالفا للعرض الذي يعطى في ثمنه، فأما مجملا فلا يدري ما هو ولا مبلغه فلا يجوز، وإن كان عرضا أو ذهبا أو ورقا واشترى بعرض لأنه لا يجوز بيع الجميع وحبس نصف المال للبائع واستثنى المشتري نصفه والمال مجهول كما يجوز في الجميع هو السنة والبعض خارج من السنة فلا يجوز وإنما تجوز السنة على وجهها ولا تبعض وكذلك سمعت. قال أصبغ: قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان ماله عرضا من صنف العرض الذي يشتريه به فلم يستثن ماله كله؟ قال: لا بأس، قال أصبغ: ولا يعجبني، قال أصبغ: ولو أن رجلا اشترى نصف حائط واشترط نصف ثمره لم يكن به بأس.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم فإن كان اشتراه بعرض أو حيوان فلا بأس أن يستثني نصف ماله وإن كان ماله ذهبا أو ورقا يريد ذهبا أو ورقا معلوما على ما فسره به أصبغ، فقوله تفسير لقول ابن القاسم؛ وقول ابن القاسم إن ماله إذا كان عرضا من صنف العرض الذي اشترى به يجوز له أن يستثني بعضه يريد إذا كان مال العبد معلوما؛ وقول أصبغ لا يعجبني يريد إذا كان ماله مجهولا، فليس قوله بخلاف لقول ابن القاسم، وإنما تكلم كل واحد منهما على غير الوجه الذي تكلم عليه صاحبه، هذا الذي يجب أن يحمل عليه قولهما، إذ لا يصح أن يختلف في جواز ذلك إذا كان مال العبد معلوما، ولا خلاف في أن ذلك لا يجوز عندهما إذا كان المال مجهولا، وإنما يجيز ذلك أشهب. وقد مضى ذلك من قوله في سماع سحنون. وقول أصبغ: ولو أن رجلا اشترى نصف حائط واشترط نصف ثمره لم يكن بذلك بأس صحيح، ولو اشترط جميع الثمرة في اشترائه نصف الحائط لم يجز باتفاق، وكذلك مال العبد فإنما يجوز للرجل أن يشترط من مال العبد وثمر النخل بقدر ما اشترى من العبد ومن النخل، فإن اشترط أكثر مما اشترى من الأصل لم يجز عند الجميع، وإن اشترط أقل مما اشترى من الأصل جاز عند أشهب ولم يجز عند ابن القاسم.

.مسألة اشترى من رجل كرما فخاف الوضيعة:

قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن رجل اشترى من رجل كرما فخاف الوضيعة فأتى ليستوضعه فقال: بع وأنا أرضيك، قال: إن باع برأس المال أو بربح فلا شيء عليه، وإن باع بوضيعة كان عليه أن يرضيه، فإن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد، وإن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد أكثر منه يوم قال له ذلك. قال أصبغ: وسألت عنها ابن وهب، فقال: عليه رضاه بما يشبه ثمن تلك السلعة والوضيعة فيها، قال أصبغ: وقول ابن وهب هذا أحسن عندي، وهو أحب إلي إذا وضع فيها.
قال محمد بن رشد: قوله: بع وأنا أرضيك عدة إلا أنها عدة على سبب، وهو البيع، والعدة إذا كانت على سبب لزمت بحصول السبب في المشهور من الأقوال، وقد قيل: إنها لا تلزم بحال، وقيل: إنها تلزم على كل حال، وقيل: إنها تلزم إذا كانت على سبب وإن لم يحصل السبب، وقول أشهب إنه إن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد يريد مع يمينه، ومعناه إذا لم يسم شيئا يسيرا لا يشبه أن يكون إرضاء والدليل على أنه يحلف على مذهبه إذا قال: أردت كذا وكذا لما يشبه قوله إنه إن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد أكثر من ذلك، وجوابه هذا على كله في كثير من مسائله أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقربه على نفسه، واليمين في هذا يمين تهمة، إذ لا يمكن لمستوضع أن يدعي علم نيته فيحقق الدعوى عليه بخلاف ما ذكر أنه أراده، فيدخل فيها من الخلاف ما يدخل في يمين التهمة، وأما ابن وهب فأخذه بمقتضى ظاهر لفظه وألزمه إرضاءه إلا أن يقول: لا أرضى فيما يقول الناس فيه إنه إرضاء فلا يصدق أنه لم يرض ويؤخذ بما يقول الناس فيه إنه إرضاء، هذا معنى قوله. ولو حلف ليرضينه لم يبر إلا باجتماع الوجهين، وهما أن يضع عنه ما يرضى به وما يقول الناس فيه إنه إرضاء، وقد مضى ما يدل على هذا في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النذور في الحالف ليرضين غريمه من حقه، والحمد لله.

.مسألة حكم بيع البرج:

ومن كتاب البيع والصرف:
قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول في البرج يباع قال: إذا باعه بما فيه أو باع جميع ما فيه فذلك جائز لا بأس به وإن كان لا يعرف عدده إذا كان قد رآه وعرفه، قال أصبغ: وذلك إذا عاينه كما يعاين النخل والزرع وصبرة الطعام وأحاط به بصرا ومعرفة أو حزرا وإلا فلا خير فيه، وقد يكون صغيرا كثير العمارة، وكبيرا قليل العمارة.
قال محمد بن رشد: لعبد الله بن نافع في المدنية أنه لا يجوز أن يباع حمام البرج جزافا لأنه من الغرر، ولا يباع إلا عددا، فقيل: إن ذلك مثل قول ابن حبيب في الواضحة في أنه لا يجوز أن يباع الطير أحياء في الأقفاص جزافا؛ لأنه يتداخل بعضه في بعض فلا يحيط البصر به، وإن قول ابن القاسم في حمام البرج خلاف قول ابن حبيب في طير الأقفاص، والذي أقول به أن ذلك ليس بخلاف له لأن طير الأقفاص لا مؤونة في عدها، وحمام البرج لا يصل إلى عدها إلا بعناء كثير ومؤونة شاقة، فطير الأقفاص لا خلاف في أنه لا يجوز بيعها جزافا إذ لا مؤونة في عدها ولا يحاط كل الإحاطة بالنظر إليها لتداخل بعضها في بعض، ونحل الأجباح لا خلاف في جواز بيعها جزافا إذ لا يمكن عدها ولا كيلها بوجه، وحمام الأبرجة اختلف في جواز بيعها جزافا لمشقة عدها، فمن غلب المشقة في عدها على عدم الإحاطة بها في النظر إليها أجاز ذلك، ومن غلب عدم الإحاطة بها في النظر إليها على المشقة في عدها لم يجز ذلك، وليس في تغليب أحد الوجهين على الآخر إلا ما يغلب على ظن المجتهد.

.مسألة حكم بيع الصعاب من الإبل:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في بيع الصعاب من الإبل وهي لا تؤخذ إلا بالأوهاق، ولا يعرف ما فيها من العيوب وربما عطبت في أخذها فكره ذلك وكره بيعها وقال: في أخذها غرر في انكسارها فهو لا يحل، وكذلك بيع المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة ولا يعلم أبها عيب أم لا، ولا يعرف عيب شيء منها ولا ما بها لصعوبتها، وفيه عيب آخر من وجه الخطار أيضا أنه يقول: لا أعلم ما فيها ولم أقلبها، فإنما أبيعها على ما كان فيها من عيب، فهو يضع من ثمنها لذلك، ولا يدري أبها عيب أم لا والمشتري يريده لما يرجو من السلامة، فكل واحد منهما قد خاطر صاحبه، ولو جاز هذا لجاز أن يبيع السلعة الغائبة بصفة أو يكون المبتاع قد رآها ولم يقلبها، أو قد قلبها فطال زمانها فيقول: أبيعك على أنه ما كان فيها من عيب أو من حدث مما لم أعلم فهو منك، فهذا غير جائز، وهو من الغرر، ووجه من التغابن في البيع، وهو يشبه بيع الإباق، فأرى جميع ذلك مفسوخا وجد عيبا أو لم يجده أو حدث بها عيب أو لم يحدث. قال أصبغ: أرى الذي اجتح به وناظر من الحجج في ذلك ليس بحجة ولا نظير المسألة ولا صواب إلا كراهة بيعها لغرر أخذها لصعوبتها وانكسارها فيه فإن ذلك كذلك غير مأمون عليها ولا سليمة منه للذي قد عرفت به واستوحشت ولا أرى بيعها ولا يعجبني، ولا شراءها، وأراه غررا من البيوع حتى تؤخذ فيسلم ما يسلم ويعطب ما يعطب قبل البيع، وأراه مفسوخا إن وقع وأرى مصيبتها من البائع حتى تؤخذ ثم تصاب بعد قبض المشتري إياها. وأما حجته بالوجه الثاني من الغرر والخطار أنه لا يعلم ما فيها فيبيعه على ما كان فيها من عيب فقد خاطره فليس كذلك إنما ذلك بمنزلة بيع البراءة ولا يعلم ما في السلعة وبيع السلعة الغائبة على الصفة المخصوصة ولا يدري ما فيها سواء ذلك فليس في هذا أخطار وهذه بيوع المسلمين، وهي جائزة لازمة حتى توجد عيوب، والذي احتج به في السلعة الغائبة فيقول: أبيعك على أنه ما كان فيها أو حدث مما لم أعلم فهو منك فإنما مكروه هذا إذا اشترطه اشتراطا، وجوابه في الحجة لها في حرور المسألة على غير اشتراط فهي غير حجة لأن المسألة الأولى في بيع الصعاب بالبراءة ليس فيها اشتراط إنما هو بيع مجرد فليست بحجة، والجواب فيها بعينها لنفسها صحيح إذا كان الاشتراط مجردا فالبيع فاسد وإن كان بغير ذلك فليس بفاسد، وله شبيه ببيوع المسلمين وأحكامهم فليس به بأس في المهارة وغير ذلك من المسألة ما عدا الإبل الصعاب وما أشبهها من الأشياء في مثل حدها من المهل والصعوبة والاستيحاش.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في أنه لا يجوز بيع الإبل الصعاب التي لا تؤخذ إلا بالأوهاق وهي الحبال لأن الوهق الحبل التي تؤخذ به الدابة والإنسان، قاله الخليل، صحيح، وتنظيره كما نظرها به من بيع المهارات والفلاء الصعاب على البراءة ومن بيع السلعة الغائبة على الصفة أو على رؤية متقدمة للمبتاع فيها وعلى البراءة مما حدث بها بعد مغيب البائع عنها أو بعد رؤية المبتاع لها إلى حين العقد عليها وقد طال زمان ذلك صحيح أيضا، واعتراض أصبغ عليه في تنظيره واحتجاجه ليس بصحيح، وذلك أنه لا يجوز أن يبيع الرجل بالبراءة ما يجهل عيوبه لأن عليه أن يبين ما يعلم منها فيبرأ مما لم يعلم، فإذا باع ما يجهل عيوبه بالبراءة كان ذلك غررا فقال ابن القاسم: إن بيع الإبل الصعاب التي لا تؤخذ إلا بالأوهاق على البراءة مما بها من العيوب لا يجوز لوجهين: أحدهما الغرر لما يخشى من انكسارها في أخذها، والثاني أنه لا يعرف ما فيها من العيوب لصعوبتها ولا إن كان بها عيب أم لا، فوجب ألا يجوز كما لا يجوز بيع المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة إذا كان لا يعرف ما فيها من العيوب ولا إن كان بها عيب أم لا إذ لم يختبر ذلك منها، وكما لا يجوز بيع السلعة الغائبة على الصفة أو على الرؤية المتقدمة على البراءة مما حدث بها بعد مغيب البائع عنها أو بعد رؤية البائع لها إلى حين العقد عليها وقد طال زمان ذلك، وقوله صحيح لائح لا وجه للاعتراض فيه. ورأى أصبغ بيع المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة جائزا وإن كان البائع لها لا يعلم هل بها عيب أم لا إذا لم يختبر ذلك منها، وأن بيع السلعة الغائبة على الصفة بالبراءة وإن طال عهده بها طولا يمكن أن يحدث بها عيوب فيه جائز ما لم يشترط أني بريء من كل ما حدث بها مما لم أعلمه، ولذلك اعترض على ابن القاسم، ولا يلزمه اعتراضه لأنه لا يجيز شيئا من ذلك، وهو الصحيح المعلوم من قول مالك. ولهذا المعنى لم يجز للرجل أن يبيع بالبراءة ما اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام، وقال في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب في ذلك يعمد الرجل إلى العبد فيشتريه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يحب أن يخبر بشيء من عيوبه ولا يقيم في يديه كبير شيء حتى يعمد إليه فيبيعه بالبراءة فيحكم على المشتري بما لا يدري كيف هو، فامنعهم من ذلك أشد المنع، وافسخ ذلك بينهم، يقول ذلك لصاحب السوق، وقال في رسم تسلف من سماع ابن القاسم منه إن بيع الثياب في الجراب بالبراءة لا خير فيه لأنه لا يستطاع أن يدرك معرفته، وقد مضى القول على هذا في الموضعين.

.مسألة اشترى من رجل ثوبا مصبوغا واشترط له أن يلبسه:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل اشترى من رجل ثوبا مصبوغا واشترط له أن يلبسه، فإن انتقض صبغه رده وأخذ حقه، قال: لا خير فيه إذا اشترط اللبس، ولكن لا بأس أن يبيعه ويقول: اغسله فإن انتقض فرده.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن ذلك لا خير فيه لأنه إن انتقض فرده كان سلفا جر منفعة، كأنه أسلفه الثمن على أن يلبس ثوبه ما دام سلفه عنده، وإن لم ينتقض كان بيعا، فمرة يكون بيعا، ومرة يكون سلفا جر منفعة، فإن وقع ذلك كان سبيله سبيل البيع الفاسد يفسخ في القيام، وتكون له القيمة بالغة ما بلغت في الفوات.